كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ ابن عباس، وابن يعمر، وقتادة، وأبو رجاء، وأبو حيوة، وابن أبي عبلة، وأبو طالوت، وابن مقسم، وإسماعيل بن سليمان عن ابن كثير: عورة وبعوزة، بكسر الواو فيهما؛ والجمهور: بإسكانها.
قال الزمخشري: ويجوز أن يكون تخفيف عورة وبالكسر هو اسم فاعل.
وقال ابن جني: صحة الواو في هذا إشارة لأنها متحركة قبلها فتحة. انتهى.
فيعني أنها تنقلب ألفًا، فيقال: عارة، كما يقول: رجل مال، أي ممول.
وإذا كان عورة اسم فاعل، فهو من عور الذي صحت عينه، فاسم الفاعل كذلك تصح عينه، فلا تكون صحة العين على هذا شذوذًا.
وقيل: السكون على أنه مصدر وصف به، والبيت العور: هو المنفرد المعرض لمن أراد سوءًا.
وقال الزجاج: عور المكان يعور عورًا وعورة فهو عور، وبيوت عورة.
وقال الفراء: أعور المنزل: بدا منه عورة، وأعور الفارس: كان فيه موضع خلل للضرب والطعن.
قال الشاعر:
متى تلقهم لم تلق في البيت معورًا ** ولا الضيف مسحورًا ولا الجار مرسلًا

قال الكلبي: {عورة} خالية من الرجال ضائعة.
وقال قتادة: قاصية، يخشى عليها العدو.
وقال السدي: قصيرة الحيطان، يخاف عليها السراق.
وقال الليث: العورة: سوءة الإنسان، وكل أمر يستحيا منه فهو عورة، يقال: عورة في التذكير والتأنيث، والجمع كالمصدر.
وقال ابن عباس: قالت اليهود لعبد الله ابن أبي ابن سلول وأصحابه من المنافقين: ما الذي يحملكم على قتل أنفسكم بيد أبي سفيان وأصحابه؟ فارجعوا إلى المدينة فأنتم آمنون.
{إن يريدون إلا فرارًا} من الدين، وقيل: من القتل.
وقال الضحاك: ورجع ثمانون رجلًا من غير إذن للنبي صلى الله عليه وسلم.
والضمير في: {دُخلتْ} الظاهر عوده على البيوت، إذ هو أقرب مذكور.
قيل: أو على المدينة، أي ولو دخلها الأحزاب الذين يفرون خوفًا منها؛ والثالث على أهاليهم وأولادهم.
{ثم سئلوا الفتنة} أي الردة والرجوع إلى إظهار الكفر ومقاتلة المسلمين.
{لآتوها} أي لجاءوا إليها وفعلوا على قراءة القصر، وهي قراءة نافع وابن كثير.
وقرأ باقي السبعة: لآتوها بالمد، أي لأعطوها.
{وما تلبثوا بها} وما لبثوا بالمدينة بعد ارتدادهم {إلا يسيرًا} فإن الله يهلكهم ويخرجهم بالمؤمنين.
قال ابن عطية: ولو دخلت المدينة من أقطارها، واشتد الحرب الحقيقي، ثم سئلوا الفتنة والحرب لمحمد صلى الله عليه وسلم، لطاروا إليها وأتوها مجيبين فيها، ولم يتلبثوا في بيوتهم لحفظها إلا يسيرًا، قيل: قدر ما يأخذون سلاحهم. انتهى.
وقرأ الجمهور: سئلوا، وقرأ الحسن: سولوا، بواو ساكنة بعد السين المضمومة، قالوا: وهي من سال يسال، كخاف يخاف، لغة من سأل المهموز العين.
وحكى أبو زيد: هما يتساولان. انتهى.
ويجوز أن يكون أصلها الهمز، لأنه يجوز أن يكون سولوا على قول من يقول في ضرب ضرب، ثم سهل الهمزة بإبدالها واوًا على قول من قال في بؤس بوس، بإبدال الهمزة واوًا لضمة ما قبلها.
وقرأ عبد الوارث، عن أبي عمرو والأعمش: سيلوا، بكسر السين من غير همز، نحو: قيل.
وقرأ مجاهد: سوئلوا، بواو بعد السين المضمومة وياء مكسورة بدلًا من الهمزة.
وقال الضحاك: {ثم سئلوا الفتنة} أي القتال في العصبية، لأسرعوا إليه.
وقال الحسن: الفتنة، الشرك، والظاهر عود الضمير بها على الفتنة.
وقيل: يعود على المدينة.
و{عاهدوا} أجرى مجرى اليمين، ولذلك يتلقى بقوله: {لا يولون الأدبار}.
وجواب هذا القسم جاء على الغيبة عنهم على المعنى: ولو جاء كما لفظوا به، لكان التركيب: لا نولي الأدبار.
والذين عاهدوا: بنو حارثة وبنو مسلمة، وهما الطائفتان اللتان هما بالفشل في يوم أُحُد، ثم تابوا وعاهدوا أن لا يفروا، فوقع يوم الخندق من بني حارثة ذلك الاستئذان.
قال ابن عباس: عاهدوا بمكة ليلة العقبة أن يمنعوه مما يمنعون منهم أنفسهم.
وقيل: ناس غابوا عن وقعة بدر قالوا: لئن أشهدنا الله قتالًا لنقاتلن من قبل: أي من قبل هذه الغزوة، غزوة الخندق.
{لا يولون الأدبار} كناية عن الفرار والانهزام، سئلوا مطلوبًا مقتضى حتى يوفى به، وفي ذلك تهديد ووعيد.
{قل لن ينفعكم الفرار} خطاب توبيخ وإعلام أن الفرار لا ينجي من القدر، وأنه تنقطع أعمارهم في يسير من المدة، واليسير: مدة الآجال.
قال الربيع بن خيثم: وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه، أي: {إن فررتم من الموت} أو القتل، لا ينفعكم الفرار، لأن مجيء الأجل لابد منه.
وإذًا هنا تقدّمها حرف عطف، فلا يتحتم إعمالها، بل يجوز، ولذلك قرأ بعضهم: {وإذًا لا يلبثوا خلفك} في سورة الإسراء، بحذف النون.
ومعنى خلفك: أي بعد فراقهم إياك.
و{قليلًا} نعت لمصدر محذوف، أي تمتيعًا قليلًا، أو لزمان محذوف، أي زمانًا قليلًا.
ومرّ بعض المروانية على حائط مائل فأسرع، فتليت له هذه الآية، فقال: ذلك القليل نطلب.
وقرأ الجمهور: {لا تمتعون} بتاء الخطاب؛ وقرىء: بياء الغيبة.
و{من ذا} استفهام، ركبت ذا مع من وفيه معنى النفي، أي لا أحد يعصمكم من الله.
قال الزمخشري: فإن قلت: كيف جعلت الرحمة قرينة السوء في العصمة، ولا عصمة إلا من السوء؟ قلت: معناه أو يصيبكم بسوء إن أراد بكم رحمة، فاختصر الكلام وأجرى مجرى قوله:
متقلدًا سيفًا ورمحًا.
أو حمل الثاني على الأول لما في العصمة من معنى المنع. انتهى.
أما الوجه الأول ففيه حذف جملة لا ضرورة تدعو إلى حذفها، والثاني هو الوجه، لاسيما إذا قدر مضاف محذوف، أي يمنعكم من مراد الله.
والقائلين لإخوانهم كانوا، أي المنافقون، يثبطون إخوانهم من ساكني المدينة من أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقولون: ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس، ولو كانوا لحمًا لالتهمهم أبو سفيان، فخلوهم.
وقيل: هم اليهود، كانوا يقولون لأهل المدينة: تعالوا إلينا وكونوا معنا.
وقال ابن زيد: انصرف رجل من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم الأحزاب، فوجد شقيقه عنده سويق ونبيذ، فقال: أنت ها هنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرماح والسيوف؟ فقال: هلم إليه، فقد أحيط بك وبصاحبك.
والذي يحلف به لا يستقبلها محمد أبدًا، فقال: كذبت والذي يحلف به، ولأخبرنه بأمرك.
فذهب ليخبره، فوجد جبريل قد نزل بهذه الآية.
وقال ابن السائب: هي في عبد الله بن أبيّ، ومعتب بن قشير، ومن رجع من المنافقين من الخندق إلى المدينة.
فإذا جاءهم المنافق قالوا له: ويحك اجلس ولا تخرج، ويكتبون إلى إخوانهم في العسكر أن ائتونا فإنا ننتظركم.
وكانوا لا يأتون العسكر إلا أن يجدوا بدًا من إتيانه، فيأتون ليرى الناس وجوههم، فإذا غفل عنهم عادوا إلى المدينة، فنزلت.
وتقدم الكلام في {هلم} في أواخر الأنعام.
وقال الزمخشري: وهلموا إلينا، أي قربوا أنفسكم إلينا، قال: وهو صوت سمي به فعل متعد مثل: احضر واقرب. انتهى.
والذي عليه النحويون أن هلم ليس صوتًا، وإنما هو مركب مختلف في أصل تركيبه؛ فقيل: هو مركب من ها التي للتنبيه ولم، وهو مذهب البصريين.
وقيل: من هل وأم، والكلام على ترجيح المختار منهما مذكور في النحو.
وأما قوله: سمي به فعل متعد، ولذلك قدر {هلم إلينا} أي قربوا أنفسكم إلينا؛ والنحويون: أنه متعد ولازم؛ فالمتعدي كقوله: {قل هلم شهداءكم} أي احضروا شهداءكم، واللازم كقوله: {هلم إلينا} وأقبلوا إلينا.
{ولا يأتون البأس} أي القتال، {إلا قليلًا}.
يخرجون مع المؤمنين، يوهمونهم أنهم معهم، ولا نراهم يقاتلون إلا شيئًا قليلًا إذا اضطروا إليه، كقوله: {ما قاتلوا إلا قليلًا}.
وقلته إما لقصر زمانه، وإما لقلة عقابه، وإنه رياء وتلميع لا تحقيق.
{أشحة} جمع شحيح، وهو البخيل، وهو جمع لا ينقاس، وقياسه في الصفة المضعفة العين واللام فعلاء نحو: خليل وأخلاء؛ فالقياس أشحاء، وهو مسموع أيضًا، ومتعلق الشح بأنفسهم، أو بأحوالهم، أو بأموالهم في النفقات في سبيل الله، أو بالغنيمة عند القسم، أقوال.
والصواب: أن يعم شحهم كل ما فيه منفعة للمؤمنين.
وقال الزمخشري: {أشحة عليكم} في وقت الحرب، أضناء بكم، يترفرفون عليكم، كما يفعل الرجال بالذاب عن المناضل دونه عند الخوف.
{ينظرون إليك} في تلك الحالة، كما ينظر المغشي عليه من معالجة سكرات الموت، حذرًا وخورًا ولواذًا، فإذا ذهب الخوف وحيزت الغنائم ووقعت القسمة، نقلوا ذلك الشح وتلك الضنة والرفرفة عليكم إلى الخير، وهو المال والغنيمة وسوء تلك الحالة الأولى، واجترؤوا عليكم وضربوكم بألسنتهم، وقالوا: وفروا قسمتنا، فإنا قد شاهدناكم وقاتلنا معكم، وبمكاننا غلبتم عدوكم، وبنا نصرتم عليهم. انتهى.
وهو تكثير وتحميل للفظ ما لا يحتمله كعادته.
وقرأ الجمهور: {أشحة} بالنصب.
قال الفراء: على الذم، وأجاز نصبه على الحال، والعامل يعوقون.
وقال الطبري: حال من {هلم إلينا}.
وقال الزجاج: حال من {ولا يأتون}؛ وقيل: حال من {المعوقين}؛ وقيل: من {القائلين} ورد القولان بأن فيهما تفريقًا بين الموصول وما هو من تمام صلته.
وقرأ ابن أبي عبلة: أشحة، بالرفع على إضمار مبتدأ، أي هم أشحة.
{فإذا جاء الخوف} من العدو، وتوقع أن يستأصل أهل المدينة، لاذ هؤلاء المنافقون بك ينظرون نظر الهلوع المختلط النظر، الذي يغشى عليه من الموت.
و{تدور} في موضع الحال، أي دائرة أعينهم.
{كالذي} في موضع الصفة لمصدر محذوف، وهو مصدر مشبه، أي دورانًا كدوران عين الذي يغشى عليه.
فبعد الكاف محذوفان وهما: دوران وعين، ويجوز أن يكون في موضع الصفة لمصدر من {ينظرون إليك} نظرًا كنظر الذي يغشى عليه.
وقيل: إذا جاء الخوف من القتال، وظهر المسلمون على أعدائهم، {رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم} في رءوسهم، وتجول وتضطرب رجاء أن يلوح لهم.
قال قتادة: بسطوا ألسنتهم فيكم.
قال يزيد بن رومان: في أذى المؤمنين وسبهم وتنقيص الشرع.
وقال قتادة: في طلب العطاء من الغنيمة، والإلحاف في المسألة.
وقيل: السلق في مخادعة المؤمنين بما يرضيهم من القول على جهة المصانعة والمجاملة.
وقرأ الجمهور: {سلقوكم} بالسين؛ وابن أبي عبلة: بالصاد.
وقرأ ابن أبي عبلة: أشحة بالرفع، أي هم أشحة؛ والجمهور: بالنصب على الحال من {سلقوكم} وعلى الخبر يدل على عموم الشح في قوله أولًا: {أشحة عليكم}.
وقيل: في هذا: أشحة على مال الغنائم.
وقيل: على مالهم الذي ينفقونه.
وقيل: على الرسول بظفره.
{أولئك لم يؤمنوا} إشارة إلى المنافقين: أي لم يكن لهم قط إيمان.
والإحباط: عدم قبول أعمالهم، فكانت كالمحبطة.
وقال الزمخشري: فإن قلت: هل يثبت للمنافق عمل حتى يرد عليه الإحباط؟ قلت: لا، ولكن تعليم لمن عسى يظن أن الإيمان باللسان إيمان، وإن لم يواطئه القلب؛ وأن ما يعمله المنافق من الأعمال يجزى عليه.
فبين أن إيمانه ليس بإيمان، وأن كل عمل يوجد منه باطل.
انتهى، وفي كلامه استعمال عسى صلة لمن، وهو لا يجوز.
وقال ابن زيد، عن أبيه: نزلت في رجل بدري، نافق بعد ذلك ووقع في هذه المعاني، فأحبط الله عمله في بدر وغيرها.
وكان ذلك، أي الإحباط، أو حالهم من شحهم ونظرهم، يسيرًا لا يبالى به، ولا له أثر في دفع خير، ولا عليه شر.
وقال الزمخشري: {على الله يسيرًا} معناه: أن أعمالهم حقيقة بالإحباط، تدعو إليه الدواعي، ولا يصرف عنه صارف.
انتهى، وهي ألفاظ المعتزلة.
{يحسبون} أنهم لم يرحلوا، {وإن يأت الأحزاب} كرة ثانية، تمنوا لخوفهم بما منوا به عند الكرة أنهم مقيمون في البدو مع الأعراب، وهم أهل العمود، يرحلون من قطر إلى قطر، يسألون من قدم من المدينة عما جرى عليكم من قتال الأحزاب، يتعرفون أحوالكم بالاستخبار، لا بالمشاهدة، فرقًا وجبنًا، وغرضهم من البداوة أن يكونوا سالمين من القتال، ولو كانوا فيكم ولم يرجعوا إلى المدينة، وكان قتال لم يقاتلوا إلا قليلًا، لعلة ورياء وسمعة.
قال ابن السائب: رميًا بالحجارة خاصة دون سائر أنواع القتال.
وقرأ الجمهور: {بادون} جمع سلامة لباد.
وقرأ عبد الله، وابن عباس، وابن يعمر، وطلحة: بدى على وزن فعل، كفاز وغزى، وليس بقياس في معتل اللام، بل شبه بضارب، وقياسه فعلة، كقاض وقضاة.
وعن ابن عباس: بدا فعلًا ماضيًا؛ وفي رواية صاحب الإقليد: بدى بوزن عدى.
وقرأ الجمهور: {يسألون} مضارع سأل.
وحكى ابن عطية أن أبا عمرو وعاصمًا والأعمش قرأوا: يسالون، بغير همز، نحو قوله: {سل بني إسرائيل} ولا يعرف ذلك عن أبي عمرو وعاصم، ولعل ذلك في شاذهما؛ ونقلهما صاحب اللوامح عن الحسن والأعمش.
وقرأ زيد بن علي، وقتادة، والجحدري، والحسن، ويعقوب بخلاف عنهما: يسأل بعضهم بعضًا، أي يقول بعضهم لبعض: ماذا سمعت وماذا بلغك؟ أو يتساءلون الأعراب، كما تقول: تراءينا الهلال.
ثم سلى الله نبيه عنهم وحقر شأنهم بأن أخبر أنهم لو حضروا ما أغنوا وما قاتلوا إلا قتالًا قليلًا.
قال: هو قليل من حيث هو رياء، ولو كان كثيرًا. اهـ.